الأربعاء، 30 أكتوبر 2013

الشك ياحبيبي‏..!‏

الشك بين الزوجين‏..‏ ليست بمزحة يرمي بها جزافا بلا أدلة ولا براهين‏..‏ وليست بنزهة نفسية يمكن الرجوع عنها ليعتذرا‏..‏ ولاهي بتوابل الحياة الزوجية يرشا منها كيفما شاءا وفي لحظات يتصالحا وكأن شيئا لم يكن وصافي يالبن حليب ياقشطه‏,‏


ولكنه أمر في غاية الخطورة ويمكن تشبيهه بالزلزال الذي يرج الأرض من تحت قدميهما, وهو البركان الذي ينفجر في وجهيهما فيقضي علي أقدس مانص عليه الرباط الزوجي من احترام وقداسة, وذلك عندما تزداد حدة الشك فينهدم البيت علي أصحابه, فماهي أسباب الشك بين الزوجين وهل يختلف عند المرأة عنه عند الرجل؟
د. أحمد خيري حافظ أستاذ علم النفس جامعة عين شمس يعرف الشك بأنه: حالة من القلق النفسي الشديد, ويأتي الشك من أقرب الناس إلينا من- حبيب أو أخ أو صديق- وبذلك يصبح الآخر مصدر خطر علينا أو علي من يشك.
والشك رسالة تقول للآخر: أنا لاأطمئن إليك ولاأثق فيك, ومن المعروف أنه كلما كان المشكوك فيه أقرب إلي القلب زاد نزيف القلب واشتد وجعه, لذلك فإن أخطر أنواع الشك هو ذلك الذي نشهده في العلاقات الزوجية, فإذا حدث ودخل الشك قلب الزوجة أو الزوج صارت الحياة الزوجية هي الجحيم بعينه, وصار القلق والسهد والألم رفيقا دائما للطرف الذي يعانيه, خاصة لو كان ذلك مقرونا بالأدلة والبراهين.
وأفضل من شدت للشك كانت الراحلة العظيمة أم كلثوم من كلمات الأمير السعودي الشاعر عبد الله الفيصل بكلمات: أكاد أشك في نفسي.. لأني أكاد أشك فيك.. وأنت مني, فعندما تشتم الزوجة روائح عطر نسائية علي سترة زوجها, أوتري بعض من بقايا أحمر الشفاه علي منديله الأبيض, أوتلمح هدية صغيرة ملفوفة مخبأة في طيات ملابسه بعد عودته من سهرة متأخرا, فمن المؤكد أن هذه أدلة كافية لتفجير مصادر الشك بداخلها ومايتبعها من مشاعر يائسة ومحبطة.
وتكوي نار الشك قلب الزوج عندما تتقبل الزوجه نظرات وعبارات الإعجاب من الآخرين أوتتعمد لفت أنظارهم, أو عندما تتواصل مع مجهول بالحديث التليفوني أو علي الشات عبر الإنترنت سرا أو ليلا أو بتكرار خروجها بشكل سري, أما عن بعض التصرفات الشاذة التي قد تصدر عن المرأة غير العاقلة والتي تثير شك الزوج الجنوني وقد تؤدي إلي الطلاق, فهي تلك التي تجاهر بها أمام الغرباء, مثال ذلك أن لها كثيرا من المعجبين.. أو أنه لازال يتقدم لها الخطاب.. أو أن الكثيرين يعتقدون أنها لازالت آنسة علي وش جواز وغيرها من الأقاويل التي تسبب الحرج للزوج أمام الأبناء, أما الشك الذي قد يسيطر علي مشاعر كلا الزوجين دون استثناء فذلك الذي يقوم علي حب السيطرة والتملك, وغالبا مايتملك الطرف الذي يعاني من ضعف في الثقة بالنفس والخوف الزائد من فقد الحبيب, لذلك فهذا النوع من الشك لايستند علي دليل.
ورغم مرارة الشعور بالشك إلا أن رد فعل المرأة تجاهه قد يكون مختلفا عن الرجل, فالمرأة عندما تشك في شريك حياتها فأقصي مايمكن أن تصل إليه هو أن تدخل في حالة من الإكتئاب النفسي, بينما يكون التصرف الطبيعي للرجل هو الجنوح للعنف إما بالإهانة والسب والضرب أو الانتقام الذي يصل إلي حد القتل, وقليل هم الرجال الذين يكتئبون وينهارون نفسيا بسبب الشك في الزوجات.
وقد عالج شكسبير قضية الشك في مسرحيته الشهيرة عطيل وقدم تفسيرات أدبية ونفسية عميقة لهذه المسألة, فقد رأي أن الأبناء الذين يولدون في أسر مفككة غالبا ما يشكون في شركاء الحياة, وأنهم غالبا ما يعانون الشك رغم عدم وجود مؤشرات أو أدلة له. أيضا الذين جاءوا من بيئة مختلفة غالبا ما يكون زواجهم مصيره الانفصال, مثال ذلك: أن تكون الزوجة من أسرة منفتحة إجتماعيا والزوج من أسرة محافظة أو ريفية, وعندما يري الزوج زوجته بالمصادفة مع رجل يربت علي كتفها بطريقة عفوية تحمل معني الصداقة- ولاشيء آخر- فإنه حتما سيصادر هذه الصورة في ذاكرته ويظل يشك فيها كلما تحادثت إلي نفس الشخص.
والشك يدخل إلي صدر المرأة أسرع من الرجل ولكنه يغادره بسهوله مذهلة, وهي في ذلك عكس الرجل الذي لو دخل الشك إلي قلبه فلن يخرج منه أبدا.
أما عن أخطر المراحل العمرية والتي قد يكون فيها الشك مسيطرا تماما علي النساء فهي- ما بعد انقطاع الطمث- أي بعد سن الخمسين, ففي هذه المرحلة تمر المرأة بمجموعة من الاضطرابات والتغيرات النفسية- والهرمونية- غير المعروف حدودها, فتشعر أنها كبرت وأنها أصبحت لا تصلح للحب, وأن زوجها بالضرورة سوف يتجه إلي إمرأة أصغر منها سنا, فتجلس لتراقبه وتشك فيه بسبب وبدون سبب, أما الزوج فيدخل الشك إلي قلبه مع مروره بأزمة منتصف العمر عندما يبدأ في الشعور بالضعف والتدهور في نشاطه وطاقاته, لذلك نتوقع أن تكون هناك قرارات غير حكيمه بالانفصال وسط ذهول الجميع, ولكن بقليل من الصبر ومع بداية سن الستين يرسي قارب الحياة الزوجية علي بر الأمان, فتعود الحياة بين الأزواج إلي شكلها الرومانسي الجميل القديم- ولا نبالغ إن قلنا مثل أيام الخطوبه- فتحسن الصحبة ويزداد التفاهم العميق وتزداد الثقة, لدرجة أنه قد يكتفي كل طرف بالآخر لينفصلا بشكل شبه كامل عن العالم الخارجي.
ولأن الشك مرض- وليس عرض مثل حالة الغيرة- فإن د.أحمد خيري حافظ يؤكد أهمية الثقة بين الأزواج وينصحهم بالتزام الصراحة والصدق في الحوار, والحديث المتبادل والاهتمام المشترك, والتخلص من الشكوك أولا بأول حتي لاتتراكم فيصعب التخلص منها, وذلك يتطلب الشجاعة الكافية والقدرة علي المواجهة ومنذ اليوم الأول للزواج, علي أن تكون المصارحة علي أسس واضحة أو علي ميه بيضاء كما يقولون, ولأن الشك يتسبب في اضطراب الحياة الزوجية, وينصح كل زوجين بأن يعقدا لقاءات ودية يطرحا فيها الظنون والشكوك والمشكلات والأفكار ومختلف الأمور التي تثير قلق أي منهما تجاه الآخر, ليتفقا علي حلول يلتزما بتنفيذها بصدق وبلا مراوغة, فالعلاقة الزوجية علاقة مشتركة لايجوز فيها الحكم من طرف واحد حتي لو كان هذا القرار هو الانفراد بالشعور بالشك, وعلي كل منهما أن يضبط سلوكه تجاه الآخر, وأن يكون متحضرا ولايمس شرف العلاقة أو قدسيتها, خاصة أن العلماء قد أكدوا أن الزواج ما هو إلا عقد انتقال من الفرد إلي الجماعة, ومن الوحدة إلي الأنسة, ومن الشك إلي الثقة. والزواج ماهو إلا رباط وثيق لاينقطع إلا بانقضاء الحياة, وإن كان أجدادنا زمان قالوا الست تعشش والأب يطفش فإننا نقول أنهما معا يستطيعا أن يبنيا عش لايهزه زلازل أو عواصف الشك مهما كانت قوية, ولبنات الثقة المودة الحب والصدق والأمانة هي أكبر ضمان.




المصدر الاهرام





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.