الأحد، 18 أغسطس 2013

ثقافة العيب‏!‏ قليل من العقل‏..‏ كثير من العادات والتقاليد

عيب يا ولد عيب يا بنت‏..‏ ما هو العيب؟ وكيف نشرحه لأبنائنا دون أن نتورط في العيب؟ لم نعد نعرف ما هو العيب وما هو اللي مش عيب من كثرة ما سمعنا هذه الكلمة ومن كثرة ما اندرج تحتها‏.‏


عيب ترفع صوتك.. عيب تكذب.. عيب عيب عيب. ينهي الأب أولاده عن رفع صوتهم في حين أن اللغة الرسمية في البيت هي الزعيق!.. محظور علي الفتيات الكلام عن العلاقات الخاصة عشان عيب ومطلوب منهن إسعاد أزواجهن مستقبلا بأي طريقة رغم أنه عيب!.. الضحك بصوت عال عيب.. الطلاق عيب.. الزواج نفسه يدخل منطقة العيب أحيانا!
أتعبتنا ثقافة العيب, ومزقت ملابس الأنسنة, وجعلتنا أحيانا كثيرة أقرب إلي مجتمعات تعيش علي التقلين, باسم العادات والتقاليد, وباسم العيب والغلط, واللي ما يصحش, مع أن غالبية التقاليد يجوز تعديلها, وأكثر محرماتنا الاجتماعيةW يجوز إعادة الاجتهاد فيها وتعديلها.
يسموننا مجتمعات التابو أو مجتمعات المحرمات الكثيرة, وفي نظريات علم الاجتماع كلما زاد تخلف المجتمعات وتراجعها, زادت تابوهاتها ومحرمات أعرافها.
الكلام هنا عن المحرمات الاجتماعية, لا عن محرمات الدين. فالمحرمات الاجتماعية, عادة ما تجعلنا نقترف محرمات دينية.
مثلا, ميراث المرأة واجب ديني, بينما بعض الأعراف الاجتماعية, تمنع ميراث المرأة لأنه عيب, قضية الختان في حد ذاتها أبعد ما تكون عن التدين وليست أكثر من فرع من فروع ثقافة العيب التي تعتدي علي آدميتنا أحيانا.
مجتمعاتنا مازالت تعتبر أن تدخين المرأة عيب بدون سبب واضح, فهل هي خطر علي صحة المرأة وحدها وغنية بالفيتامينات للرجال؟
أعرافنا, أو ما نسميه مجازا بالتقاليد, هي التي منعت الفتيات في شرائح اجتماعية من اختيار شريك حياتها, بحجة عيب علي البنت أن تقول رأيها فتبدي رغبتها في فلان وعدم رغبتها في فلان.
سيطرت علينا ثقافة العيب من ساسنا لراسنا, فأدت إلي تفضيل شباب للبطالة علي وظائف يرونها متواضعة بحجة العيب وثقافته التي تسربت إلي بيوتنا فمنعتنا من تثقيف أطفالنا جنسيا.
ثقافة التابو, منعت عنا الكثير, فزاد الصمت, وارتفعت نسب التشوهات الاجتماعية, من أول العلاقات الجنسية بين الرجل والمرأة, وانتهاء بزيادة جرائم التحرش.
مجتمعاتنا هي مجتمعات التابو كما تقول د.هالة منصور أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للسكان, وعندما يكسر أحد أفراد المجتمع ذلك التابو, ينظر إليه المجتمع بعين الذل والعار, بصرف النظر عما إذا كان التابو منطقيا أم لا.
من أسوأ الظواهر التي تحيط بنا في عالمنا العربي, والمجتمع المصري, أن يضع بعضنا حجر التقاليد, أو العرف الاجتماعي, عائقا في التقدم, أو العيش الكريم.
مثال علي ذلك, عودتنا إلي الحديث عن حقوق المرأة وما يجب عليها أن تفعله, وما لا يجب عليها أن تفعله, بدعوي العيب والغلط.
كل مشاكلنا تجاه المرأة, راجعة إلي تابو الجنس. اعتبار المرأة عورة يعود إلي تابو نظرة المجتمع للنساء علي أنهن مجرد أعضاء تناسلية ومفاتن.
وفي مجالات أخري تجد ثقافة العيب تتدخل فتحول دون النهوض والتقدم والرقي في كثير من مجتمعاتنا العربية.
ثقافة العيب من وجهة نظر د.أحمد يحيي أستاذ الاجتماع بجامعة السويس غير مبررة أحيانا, والعيب نفسه كثيرا ما يكون خاليا من المنطق.
وثقافة العيب ظاهرة بدأت أو شارفت علي الانتهاء في مجتمعات كثيرة, إلا أنها في المقابل تزدهر في مجتمعاتنا وتتغلغل في عقولنا.
ثقافة العيب, هي التي منعتنا من التحرر في الفنون, ووأدت فنانات عربيات وقطعت الطريق علي نحاتات ومبدعات وقلصت أعداد الشاعرات, والأديبات, وجعلت أي بارعة في مجال مشحونة بطاقة كبيرة من التمرد علي المألوف, انتقاما من مجتمع وضع مصيرها يوما ما علي كف عفريت.. العيب يقلص المساحات التي يمكنها التحرك فيها.. عليها أن تتمرد وتحطم التابو أو تخضع له خضوعا تاما, ليس هناك وسط..
الأهم إن ثقافة العيب منعتنا أيضا من تربية أطفالنا تربية سلمية, فلم نقترب معهم من الثقافة الجنسية, وخفنا أن نفتح مع مراهقينا تلك الموضوعات, ما أوصلنا إلي أجيال مشوهة الثقافة الجنسية, استقتها من نوادي الانترنت ومن المواقع الإباحية الالكترونية.. في النهاية شب هؤلاء الشباب علي أن الرجولة ذكورة.. وعلي أن الأنوثة مرادف للذة والاستمتاع الرجالي.
ويبقي الجنس العيب الأكبر في مجتمعاتنا هو المشكلة الكبري, وهو المتاهة التي تتشعب مجاهلها كلما أوغلنا فيها, فنتوه فيها لعدم قدرتنا علي التوفيق بين المنظور العلمي والتربوي والثقافي وبين العيب والحرام.
ربما كان كل هذا سببا في أن تزدهر في عقول أبنائنا ما يمكن أن نسميه ثقافة الشوارع الجنسية.. كما يشرح د.محمد المهدي أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر, وفي ثقافة الشارع الجنسية, كثير من المفاهيم غير الصحيحة وكثير من السلوكيات الخاطئة نتيجة الحياء أو التخبط بحجة العادات والتقاليد, يمتنع بعض الأهالي من الإفصاح لأبنائهم عن تفاصيل الأمور الجنسية, فيتهربون من أسئلتهم بإجابات خاطئة, تشوه مفهوم الجنس لدي الطفل, ما يقوده في الكبر إلي فهم ناقص ومشوه للقضية الجنسية بشكل عام, وبما يكون سببا في معاناته مع الجنس الآخر في المستقبل.
حيث تمنعنا ثقافة التابو من الاقتراب من هذا الموضوع منعا باتا سواء بالكلام الصريح العلمي أو حتي بالإيحاء غير المباشر.. وفي الطريق ننسي مدي أهمية هذا الجانب الجنسي في حياتنا, ومدي علاقته بوجودنا أصلا.
ذهنية العيب أفرزت للأسف آباء لا يعرفون شيئا عن التربية الجنسية وأسسها السليمة, ما جعلهم يهملونها تماما مقارنة بالجوانب الأخري للتربية, فلا ينظر الآباء والأمهات إلي هذا الموضوع, ولا يعرفون كيف يتعاملون معه علي أرض الواقع.
ثقافة العيب هي التي حرمت معظم الآباء والأمهات في مراحل الطفولة والمراهقة من أي شكل من أشكال التربية الجنسية, باستثناء بعض المعلومات البسيطة جدا والخجولة حول ملامح البلوغ, التي تلقوه بأسلوب ملؤه الحرج والشعور بالذنب. كان هذا سببا, جعل بعض الآباء يتقمصون شخصية تربوية مشابهة لآبائهم, فيتعاملون مع أولادهم بنفس الطريقة دون أن يدركوا أنهم يساهمون في إعادة الكرة, يعيدون انتاج جيل مشوه الأفكار عن الجنس, جيل يفهم الجنس خطأ, ويفهم العلاقة بين الرجل والمرأة خطأ.. فيلجأ تارة إلي التحرش, وتارات إلي الاغتصاب.. وفي النهاية قد يضر نفسه, ويحطم نفسيته الجنسية دون أن يعرف.
علي الأقل ساهمنا- بعدم مواجهتنا التابو, ودون أن ندري أيضا- في إعادة إنتاج جيل تابو من أولادنا, كما نشأنا نحن.. ولم نستطع أن نتغير.
ويؤكد د.مهدي أن المنزل هو حجر الأساس في تربية الطفل من جميع النواحي ومنها الجنسية, حيث أن الخصوصية التي تمنح للفتي والفتاة مع والديه غير موجودة في المدرسة نتيجة تواجد الطالب بين عدد كبير من زملائه الذين يستمعون إليه في حال طرحه لسؤال جنسي خاص. لذلك, فإن الوالدين يستطيعان استغلال العلاقة الخاصة مع أبنائهم, وتوجيههم نحو حقيقة العلاقة الجنسية وما يرتبط بها من أمور, علي أن يبدأ الحوار بالابتعاد عن ترهيب الطفل ومنعه من السؤال.
ويشرح د.مهدي أن إطلاع الطفل علي تفاصيل وخفايا العلاقة الجنسية, يجب أن يتم بالتدريج وعبر مراحل عمرية مختلفة, ومن المهم جدا عدم إعطائه أجوبة خاطئة أو مضللة أو مشوهة, لأن ذلك يفقد ثقة الأبناء بالأهل فيما بعد.



المصدر الاهرام - فتوح سالمان




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.