كثيرا ما يؤكد علماء النفس أن مشاكل الأزواج هي أهم أسباب تعاسة الأبناء وإصابتهم بكثير من الأمراض النفسية, وأنها السبب الجوهري في تعثرهم الدراسي وفشلهم
في إقامة علاقات صداقة جيدة مع أقرانهم, وأنها وراء عدوانيتهم وشعورهم بالإحباط.. وغيرها من الأسباب.. ولكن علي العكس من ذلك أكدت دراسات حديثة أن بعضا مشاكل الأبناء قد تكون من أهم أسباب الخلاف بين الاباء والأمهات وزيادة معدلات الشجار بينهما, وأن هؤلاء الأبناء الأبرياء- مع قلة خبرتهم بالحياة- قد يكونوا سببا مباشرا في كهربة البيت وإشعال فتيل قنابل الصدام في عش الزوجية, وقد تكون سببا في خرابه.. ولانبالغ إذا قلنا إن بعضا من مشاكلهم قد يكون عاملا في تحول المنزل من واحة للراحة إلي ساحة للعراك أو إلي الجحيم بعينه لاقدر الله! وهو ما يوضحه د. أحمد خيري حافظ أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس.
قائلا أن الطبيعة البشرية تتسم بكثير من الاختلاف, ولا يوجد اثنان من البشر إلا ويختلفان في كثير من الاتجاهات والمجالات المرتبطة بعلاقتهما مهما تكن درجة القرابة في العلاقة أو المودة التي تربطهما.. ويأتي هذا الاختلاف أحيانا من مصادر خارجية مثل الضغوط المرتبطة بالعمل أو الظروف الاقتصادية.
وفي دراسات عديدة وجد أن أسرة المنشأ, أي الأسرالتي جاء منها الزوج أو الزوجة, تمثل أكثر من70% من أسباب الاختلافات الموجودة بين الأزواج.. فإذا كان علماء النفس قد أكدوا عبر سنوات أن الخلافات الزوجية تؤثر بالسلب علي حياة الأبناء, فإنها تجاهلت حقيقة خطيرة هي أن مشاكل الأبناء في المقابل قد تتسبب في كثير من الخلافات بين الاباء والأمهات, بل وتهدد استقرار الأسر في كثير من الأحيان, وبدلا من أن يكون هؤلاء الأبناء مصدر سعادة ومساندة وترابط بين الأزواج يتحولون إلي أعداء يوجهون بلاقصد- سهامهم إليهم, وهو ما نلاحظه علي كثير من الأبناء المراهقين في تمردهم وإثارتهم للمشاكل بالدرجة التي تؤثر بشكل سلبي علي هدوء الأسرة واستقرارها.. فالأم قد تكون مؤيدة لابنها والمدافعة عنه باستمرار, والأب قد يكون علي النقيض من ذلك يريد أن يضبط سلوكه فيتحكم فيه والعكس صحيح, ومن هنا يستغل بعض من الأبناء هذا الخلاف لصالحه باستقطاب طرف علي حساب الطرف الآخر,هو ما يسبب الصدام الشديد بينهما لعدم اتفاقهما علي طريقة واحدة لتربيته أبنائهم.. كما أن انحياز أحد الأبوين إلي أحد الأبناء دائما ما يفتح بابا للشجار والصراع بينهما.
ماما.. كانت فين ؟
أما عن أخطر المشاكل التي قد تشيع الفرقة بين الاباء والأمهات وتهدد حياتهم الزوجية, فنجدها في استغلال بعض الأبناء للظروف التي قد يتعرضون لها فيكذبون عليهم أو يؤلفون القصص الوهمية التي تحقق أغراضهم- بغض النظر عن الضرر الذي قد يلحق بهم- مما يعرض حياة هذه الأسرة لكثير من الأزمات أو الفشل, فعلي سبيل المثال قد يقوم أحد الأبناء بنقل بعض من تصرفات أمه إلي أبيه في صور مخالفة للحقيقة وتدعو لإثارة شكوكه, بهدف الحصول علي مصروف أكبر أو مكافأة وهو لا يعلم أن هذه الكذبة أو الوشاية قد تعصف باستقرار البيت وتكون نهايتها الطلاق.
أيضا من المعروف أن الأبناء المضطربين والمرضي النفسيين قد يشعلوا نار المشاكل الزوجية بين آبائهم وأمهاتهم فتتحول البيوت إلي جحيم بعدما كانت هادئة ومستقرة.. فقد يستغلون مرضهم النفسي في الانتقام من الأبوين لأسباب غير معروفة, وقد أكدت الدراسات الحديثة أن الأبناء قد يكونون نعمة ومصدر رحمة للأبوين وقد يكونون نقمة عليهم, وهذه حقيقة لا نستطيع تجاهلها, لذلك حذرتنا الآية الكريمة من ظلم الأبناء لآبائهم بقوله تعالي إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم.. صدق الله العظيم( سورة التغابن الآية رقم14), لذلك يحتاج الاباء إلي مراجعة علاقتهم بأبنائهم بشكل دائم وباستمرار.
ويحذر د. أحمد خيري كل زوجين من استغلال أي منهما لأحد أبنائهما في رصد تصرفات أي منها للآخر ومراقبته, وعدم توجيه أي أسئلة خبيثة- إليه مثل ماما تكن فين, أو بابا كان بيكلم مين علي التليفون, أو تكليفه بعمل تقارير يومية مهما كانت الأسباب, ويوصي بأهمية المصارحة الودودة المباشرة بين الأزواج-ودون تدخل من أحد- كخطوة أولي في علاج الخلافات الزوجية, وإذا ما تعقدت الأمور فهناك مؤسسات متخصصة في علاج المشكلات الزوجية بشكل عام والخطرة التي يتسبب فيها الأبناء- دون قصد- بشكل خاص.
وأخيرا يوجه د.خيري نصيحة للاباء والأمهات فيقول: لا تصدقوا أبناءكم علي طول الخط وباستمرار دون الرجوع إلي العقل, فقد يكون منهم من يكذب أحيانا.. وقد يكون منهم من يكذب كما يتنفس الهواء..وكم من أكاذيب وأقاويل تفوه بها الأبناء- ببراءة أو بغير براءة- فهدمت بيوتا كانت آمنة وسعيدة, فالأبناء ليسوا دائما الملائكة ذات الأجنحة التي تحوم حولنا وترعانا.. وليسوا دائما البلسم.. الذي ينحط علي الجرح يبرد, ولكنهم هم هؤلاء الصغار الذين قد يخطئوا وقد يصيبوا ودورنا هو أن نعلمهم ماحيينا, فن عيش الحياة, بعدم اختلاق الأكاذيب مهما تكن المكاسب التي سيحصدونها, أو المشكلات الخطرة التي قد تعصف بالبيوت وتخربها فيكونون بذلك هم أنفسهم أول المتضررين, لذلك احتضنوا أبناءكم واحتووهم قدر ما تستطيعون, ليقفوا إلي جواركم ويساندونكم في الحفاظ علي بيوتكم مستقرة وآمنة بلا أكاذيب أو مشكلات بإذن الله.
المصدر الاهرام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.