في يوم25 يوليو كانت دعاء محمد منصور في جولة بالسوق بحثا عن حقيبة طعام من ذلك النوع الذي يحتفظ بالحرارة,
فسوف تخرج غدا- كعادتها- مع أسرتها لتشارك في المظاهرات بعد أن وقعت قبل خروجها في مظاهرة30 يونيو علي استمارة تمرد هي وزوجها وابنتها لينضموا بذلك إلي الـ22 مليون مواطن الذين وقعوا عليها, أما الابن فرغم أنه لم يبلغ السن التي تمكنه من التوقيع علي الاستمارة فقد أصر علي الخروج في ذلك اليوم ليكون ضمن من رفعوا عدد الـ22 مليونا إلي أكثر من30 مليون متظاهر.. ولكن هذا اليوم سوف يكون من أيام رمضان ويجب أن يكون الطعام ساخنا, إذن لابد من وجود تلك الحقيبة لأنهم- نظرا للزحام الشديد المتوقع في الميدان- سيذهبون إلي هناك قبل الإفطار بثلاث ساعات علي الأقل, فكل معارفهم وأقاربهم, حتي من لم يسبق لهم المشاركة في أي مظاهرة من قبل, أكدوا لهم أنهم مشاركون في هذا اليوم.
فمنذ25 يناير2011 لم يفت دعاء- التي ستصل الخمسين من عمرها بعد أقل من عامين- مظاهرة واحدة حتي لو حالت الظروف بين مشاركة زوجها أو أبنائها, وكأنها موظفة توقع في دفتر الحضور والانصراف!.. فهي تعرف جيدا معني وجود هذا الدفتر لأنها كانت توقع فيه يوما ما.
حرصها علي التظاهر هو رد فعل لمعاناتها علي مدي سنوات طوال.. فهي من أسرة متوسطة وكان أبوها موظفا في شركة كبري للمقاولات لذا عرفت معني الشعور بالأمان المادي.. فالأب لم يكن يؤخر لها طلبا هي وأشقاؤها, وإذا استعصي عليه ذلك يمهلهم إلي أول الشهر.. فالمرتب مضمون والموعد معروف.. ومرت السنوات وحصلت علي بكالوريوس من المعهد الفني عام1987 وعملت بإحدي الشركات الاستثمارية بمدينة6 أكتوبر بمرتب مجز.. وهناك ارتبطت بزميل لها وتزوجا في شقة متواضعة دخلاها وهما يحملان الكثير من الأحلام في شقة أكبر وسيارة وأبناء في أفضل المدارس.
بعد إنجاب ابنتها وحملها في ابنها تعثرت الشركة ماديا مثل العديد من الشركات في مرحلة التسعينيات, وكانت الإناث أول الضحايا في قرار توفير العمالة, وبعد ذلك بعام جاء الدور علي زوجها الذي تم الاستغناء عنه هو أيضا في خطوة من خطوات تصفية الشركة.. وفي رحلة بحثه عن عمل قدم العديد من التنازلات واضطر للقبول بعمل لايناسب سنه ولا مؤهله وبمرتب يكفي بالكاد الضروري من احتياجات الأبناء, في حين فشلت هي في إيجاد فرصة عمل, وظلت أحوال الأسرة تسير من سيئ إلي أسوأ ورحلة تعليم الأبناء مستمرة ومتطلباتهم مثلها مثل الأسعار في ازدياد.
ولأن دعاء لم تعتد الحرمان في بيت والدها ولا في بداية حياتها الزوجية لم تستطع التقصير في مظهرها ومظهر أبنائها رغم ضيق ذات اليد.. وفي محاولاتها لتحقيق تلك المعادلة عرفت أسواق الجملة ومحلات البيع بسعر المصنع, وباعت مصوغاتها قطعة وراء الأخري لتلبية احتياجات الأبناء ومصروفات المدارس ولم يبق منها إلا القليل الذي قررت بيعه واستثماره في محل لبيع الملابس الجاهزة التي عرفت طريق تجارها ومصانعها, ودارت العجلة وظنت أن الحال انصلح مثل حال البلد بعد الدستور والانتخابات الرئاسية.. ولكن الأحوال الاقتصادية في ترد والغلاء في ازدياد والزبائن يترددون علي المحل للفرجة فقط, فقررت تشجيعهم علي الشراء بالتقسيط.. ولكن المعاناة تزداد يوما بعد يوم, فالبضاعة تتأخر إما بسبب اختفاء البنزين والاختناقات المرورية أو انقطاع الكهرباء.. وكل ذلك يلقي بظلاله علي الأسعار التي قلصت من حركة البيع لتعود المظاهرات والاعتصامات من جديد وتشل الحركة تماما وتغلق معها المحلات أبوابها..
ولأن الزبائن لاتريد الشراء بعد أن انضمت الملابس إلي قائمة الرفاهيات في ظل الغلاء الذي يتوحش يوما بعد يوم فلا حافز لديهم لتسديد ماعليهم, ولأن دعاء واحدة من الذين جربوا ضيق ذات اليد بعد اليسر فهي عاجزة- إنسانيا- عن اتخاذ أي إجراء ضدهم حتي لو كانت النتيجة حصولها علي حقوقها التي هي في أمس الحاجة إليها. أكثر من عشرين عاما من المعاناة- دون ذنب- في عهد الرئيس المخلوع وعهد الرئيس المعزول.. جعلت من دعاء خبيرة مظاهرات, بل وجاذبة لغيرها من المتظاهرات اللاتي تلهب حماسهن عندما يذهبن لمحلها لتقديم الأعذار لتأخرهن عن سداد الديون أو الفضفضة والشكوي من غلاء الأسعار فتحفزهن علي الخروج للتعبير عن الرأي, فهي تري أن الضغط الشعبي هو الذي سيدفع المسئولين للإسراع في خطوات الإصلاح خاصة أن الثمن المدفوع في هذا الضغط هو أغلي ما في الوجود لأنه دماء الأبناء.. وليس مجرد ثمن كولمان للمياه أو حقيبة للطعام.
فمنذ25 يناير2011 لم يفت دعاء- التي ستصل الخمسين من عمرها بعد أقل من عامين- مظاهرة واحدة حتي لو حالت الظروف بين مشاركة زوجها أو أبنائها, وكأنها موظفة توقع في دفتر الحضور والانصراف!.. فهي تعرف جيدا معني وجود هذا الدفتر لأنها كانت توقع فيه يوما ما.
حرصها علي التظاهر هو رد فعل لمعاناتها علي مدي سنوات طوال.. فهي من أسرة متوسطة وكان أبوها موظفا في شركة كبري للمقاولات لذا عرفت معني الشعور بالأمان المادي.. فالأب لم يكن يؤخر لها طلبا هي وأشقاؤها, وإذا استعصي عليه ذلك يمهلهم إلي أول الشهر.. فالمرتب مضمون والموعد معروف.. ومرت السنوات وحصلت علي بكالوريوس من المعهد الفني عام1987 وعملت بإحدي الشركات الاستثمارية بمدينة6 أكتوبر بمرتب مجز.. وهناك ارتبطت بزميل لها وتزوجا في شقة متواضعة دخلاها وهما يحملان الكثير من الأحلام في شقة أكبر وسيارة وأبناء في أفضل المدارس.
بعد إنجاب ابنتها وحملها في ابنها تعثرت الشركة ماديا مثل العديد من الشركات في مرحلة التسعينيات, وكانت الإناث أول الضحايا في قرار توفير العمالة, وبعد ذلك بعام جاء الدور علي زوجها الذي تم الاستغناء عنه هو أيضا في خطوة من خطوات تصفية الشركة.. وفي رحلة بحثه عن عمل قدم العديد من التنازلات واضطر للقبول بعمل لايناسب سنه ولا مؤهله وبمرتب يكفي بالكاد الضروري من احتياجات الأبناء, في حين فشلت هي في إيجاد فرصة عمل, وظلت أحوال الأسرة تسير من سيئ إلي أسوأ ورحلة تعليم الأبناء مستمرة ومتطلباتهم مثلها مثل الأسعار في ازدياد.
ولأن دعاء لم تعتد الحرمان في بيت والدها ولا في بداية حياتها الزوجية لم تستطع التقصير في مظهرها ومظهر أبنائها رغم ضيق ذات اليد.. وفي محاولاتها لتحقيق تلك المعادلة عرفت أسواق الجملة ومحلات البيع بسعر المصنع, وباعت مصوغاتها قطعة وراء الأخري لتلبية احتياجات الأبناء ومصروفات المدارس ولم يبق منها إلا القليل الذي قررت بيعه واستثماره في محل لبيع الملابس الجاهزة التي عرفت طريق تجارها ومصانعها, ودارت العجلة وظنت أن الحال انصلح مثل حال البلد بعد الدستور والانتخابات الرئاسية.. ولكن الأحوال الاقتصادية في ترد والغلاء في ازدياد والزبائن يترددون علي المحل للفرجة فقط, فقررت تشجيعهم علي الشراء بالتقسيط.. ولكن المعاناة تزداد يوما بعد يوم, فالبضاعة تتأخر إما بسبب اختفاء البنزين والاختناقات المرورية أو انقطاع الكهرباء.. وكل ذلك يلقي بظلاله علي الأسعار التي قلصت من حركة البيع لتعود المظاهرات والاعتصامات من جديد وتشل الحركة تماما وتغلق معها المحلات أبوابها..
ولأن الزبائن لاتريد الشراء بعد أن انضمت الملابس إلي قائمة الرفاهيات في ظل الغلاء الذي يتوحش يوما بعد يوم فلا حافز لديهم لتسديد ماعليهم, ولأن دعاء واحدة من الذين جربوا ضيق ذات اليد بعد اليسر فهي عاجزة- إنسانيا- عن اتخاذ أي إجراء ضدهم حتي لو كانت النتيجة حصولها علي حقوقها التي هي في أمس الحاجة إليها. أكثر من عشرين عاما من المعاناة- دون ذنب- في عهد الرئيس المخلوع وعهد الرئيس المعزول.. جعلت من دعاء خبيرة مظاهرات, بل وجاذبة لغيرها من المتظاهرات اللاتي تلهب حماسهن عندما يذهبن لمحلها لتقديم الأعذار لتأخرهن عن سداد الديون أو الفضفضة والشكوي من غلاء الأسعار فتحفزهن علي الخروج للتعبير عن الرأي, فهي تري أن الضغط الشعبي هو الذي سيدفع المسئولين للإسراع في خطوات الإصلاح خاصة أن الثمن المدفوع في هذا الضغط هو أغلي ما في الوجود لأنه دماء الأبناء.. وليس مجرد ثمن كولمان للمياه أو حقيبة للطعام.
المصدر الاهرام - سامية عبد السلام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.