الخميس، 12 سبتمبر 2013

حكاية نورهان‏..‏ جرس إنذار لعنف الآباء

انتظرت نورهان ذات الثلاثة عشر ربيعا حتي استغرق والدها في النوم وانهالت عليه طعنا بالسكين ولم تتركه حتي فارق الحياة وسط بركة من الدماء‏,‏ وسط ذهول أفراد أسرتها وذهولها هي أيضا‏!!‏



هذا المشهد الذي يجسد جريمة بشعة, ليس من فيلم سينمائي أبيض وأسود أو حتي فيلم سكوب ألوان, وليس أيضا من مسلسل تليفزيوني طويل ممل.. ولكنه مشهد واقعي ومن الحياة, وبالتحديد في مدينة الخانكة بالقليوبية وحدث منذ أيام.. ولم تنكر الفتاة جريمتها وقالت أثناء التحقيق معها أنها قررت التخلص من والدها لأنه دائم الشجار مع أشقائها, وقبل ارتكابها للجريمة كان قد نهرها وضربها مما زادها إصرارا علي التخلص منه حتي تريح أفراد الأسرة بالكامل, وذلك علي حد تعبيرها.
ولكن حتي لو كانت حالة القتل هذه فردية, بل وسابقة أولي من نوعها وليست ظاهرة, إلا أنه من المنطقي اعتبارها ناقوس خطر لتنبيه الآباء والأمهات في منظومة تربية الأبناء وكيفية معاملتهم حتي لا تطالعنا صفحات الحوادث بمثل تلك الحادثة مرة أخري.
والسؤال هنا: ما الدوافع النفسية التي تدفع صبية في عمر الزهور إلي ارتكاب جريمة كهذه؟! وهل التنشئة الاجتماعية لها دور في انحراف سلوك هذه الطفلة لدرجة أنها تقتل أبيها؟! وماهي العقوبة الجنائية المقررة في مثل هذه الجريمة ؟! ولنترك الاجابة والتحليل للخبراء والمختصين:
بداية يفسر د.إلهامي عبدالعزيز أستاذ علم النفس بآداب عين شمس الحالة النفسية التي انتابت نورهان لإقبالها علي ذبح والدها بهذه السهولة قائلا: هذه من الحالات النادرة حينما تجد الطفلة المراهقة والدها بدلا من أن يكون هو مصدر الحماية والرعاية والاهتمام والمصدر الداعم الذي يمدها بالحب, تري فيه العدو الذي يجب أن تتخلص منه, نظرا لما يسببه من آلام وإحباطات لها ولأسرتها, وهنا أصبح هو مصدرا للإحباط والألم والإيذاء, فغابت صورة الأب الحنون وحل محلها صورة المعتدي الذي يجب أن يتم التخلص منه.. ربما تكون هذه هي الفكرة التي سيطرت عليها عند قيامها باتخاذ مثل هذا القرار, وبالتالي هنا نجد دائرة الانتقام, أي أن عدوانا يبدأ من الأب ثم ينتهي ويصل إلي الأب أيضا دون أن يحسب هذا الاب حسابه أن هذا العدوان سوف يعود إليه مرة أخري. وقيام الفتاة بالتعدي عليه وهو نائم يفسر أنها تشعر بالضعف وأنها ستحاول التخلص منه أثناء استغراقه في النوم حتي تتقي أذاه, وهذا يحمل في طياته اضطرابا في سلوك هذه الفتاة وشعورا عميقا لديها بالدونية والإحباط الذي ولد لديها رغبة شديدة في الانتقام مغلفة بهدف مدرك لديها بأنه هدف نبيل وهو التخلص من عدو يسبب لها ولأسرتها الأذي. ومثل هذه الحالات تحتاج إلي دراسة أكثر عمقا في طبيعة العلاقة الأسرية بشكل عام, وهذه الحالة تعتبر جرس إنذار لكل الأسر, فدائما علماء النفس والتربية والاجتماع يناشدون الآباء والأمهات عدم استخدام العنف مع الأبناء وضرورة إلمامهم بأصول التربية, فالمشكلة هنا أن الطفل الذي يعتدي عليه من قبل الأب لايعتبر هذا الأب هو العدو الوحيد له, بل يتخذ المجتمع ككل عدو بالنسبة له لأنه يري أن المجتمع لا يحميه من والده ولا يتدخل في إنقاذه منه, وبالتالي يصبح المجتمع هو أيضا عدوا له, ويصبح السلوك السائد عنده سيكوباتيا عدوانيا, فهنا لسان حاله يقول للمجتمع: لقد رأيتموني وأنا أتعذب ولم تتدخلوا فذوقوا من العنف ما ذقته في طفولتي.
وتري د.عفاف عبدالرحمن السيد الباحثة والأخصائية الاجتماعية في محكمة الأسرة وصاحبة رسالة ماجستير تتعلق بالعنف الأسري أنه ليس هناك شك أن قسوة الأب, وهي بنت في مرحلة المراهقة وتشعر بأحاسيس مختلفة من نفسية وفسيولوجية, مع وجود بيئة غير سوية وغير صالحة لاستيعاب هذه التغيرات التي تحدث للمراهقين, مع عدم وجود الوازع الديني.. ذلك كله دفعها إلي أن تتوصل بفكرها إلي الحل السهل وهو أن تخلص الأسرة منه دون أن تهتم بالنتيجة, وهي في هذه السن تكون بالطبع غير مدركة للأمور, كما أن مستوي العنف الملموس لديها من والدها تجاهها وتجاه أفراد أسرتها جعلها لا تتحكم في مشاعرها, ولذا يجب علي المسئولين في المؤسسة العقابية التي يتم إيداعها بها أن يقوموا بتأهيلها التأهيل الجيد حتي لاتزيد في سلوكياتها العدوانية.
وتقر الباحثة الاجتماعية أن الدور التربوي أصبح مفتقدا من البيت والمدرسة بالنسبة للأبناء حاليا, فأفراد الأسر الغنية يهتمون بتعليم أبنائهم في مدارس باهظة المصروفات, بها تكنولوجيا عالية ودراسة أكثر من لغة دون الاهتمام بتعاليم دينهم والحلال والحرام وكل الصفات الحميدة التي يجب أن نعلمها لأبنائنا, ثم يفاجئون بأن هذه المدارس لاتخلو من بؤر الإدمان والزواج العرفي والكثير من الانحرافات في غياب تام عن الأسرة, أما الأسر الفقيرة ومتوسطة الحال فلأنها مشغولة بلقمة العيش وتوفير حياة كريمة لأبنائها تركت تربيتهم للشارع والأصدقاء والإعلام.
وماذا عن العقوبة الجنائية في مثل حالة نورهان؟ وكيف تري هذه الجريمة؟
د. فاديه أبو شهبه أستاذ القانون الجنائي والرئيس السابق لبحوث المعامله الجنائية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية تقول: هذه الحادثة تعد من ظواهر العنف الأسري, فالعنف يولد عنفا, وهذا الأب بدأ بالعنف ضد هذه الطفلة وأخوتها, واستخدامها للسلاح الأبيض في الجريمة فلأنها متأثرة بما تشاهده من عنف علي الشاشة بجانب عنف والدها تجاه الأسرة, فهناك الكثير من الدراسات التي أثبتت أن الطفل عندما يشاهد العنف في التليفزيون سواء من خلال أعمال درامية أو أفلام كرتون فهو يقوم بتقليد هذا العنف, وهذه الطفلة كان القدوة والمثل الأعلي لها هو هذا الأب العنيف, ولذا يجب علي الآباء والأمهات أن يراعوا الأساليب التربوية الحديثة للأبناء ولا يفرقوا في المعاملة بين البنات والبنين ولا يفضلوا ابنا علي الآخر, ولا يستخدموا العنف في العقاب حتي إذا كانت هناك شقاوة من الأبناء, ويتخذوا رسولنا الكريم( سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم) أسوة حيث أوصي بعدم ضرب الوالد لولده وهو غاضب, ولا يضربه في أماكن معينة كالصدر والبطن والوجه حتي لايكون الضرب انتقاما وتشفيا وليس للتأديب. وتؤكد أستاذة القانون الجنائي أن هذه الطفلة تحتاج إلي دراسة نفسية لأنها خرجت من حدود طفولتها وبراءتها واحترامها لوالدها وأصبحت تأخذ دور سيدة كبيرة وتأثرت بروح الانتقام من هذا الأب الذي يسيء معاملة أسرته.
أما عن العقوبة فتقول أبو شهبه: جريمتها جناية قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد, وهذه الجريمة للبالغ عقوبتها الإعدام ولكن لو قتل نتيجة انفعال عمدي تكون العقوبة السجن المشدد, أي15 عاما, وللحدث في الحالتين العقوبة عشر سنوات ويتم إيداعه بإحدي المؤسسات العقابية.


المصدر الاهرام





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.