عندما أشارت عقارب الساعة إلي الثانية صباحا دق جرس الباب, فتحته لتجد أمامها شابا في الخامسة عشر من عمره, هو ابنها الذي نسيته منذ ثمان سنوات.. استأذنها في الدخول فرفضت وطالبته بالعودة إلي الدار التي هرب منها, أغلقت الباب وجلست تفكر والدموع تنساب من عينيها لتتحول هذه الدموع إلي شلال عطاء لأمثاله من نزلاء دور الأيتام لتصل بالاهتمام بهم إلي العالمية.
قبل أن تتذكر هذا الشاب أو بالأدق الطفل, كان عطاؤها ينساب قطرة قطرة في مجال العمل التطوعي, فقد اعتادت عزة عبد الحميد الطالبة في كلية الآداب جامعة القاهرة الذهاب إلي دور الأيتام, تقدم النقود والطعام وتعود راضية مطمئنة إلي أنها ضمنت الجنة, وبعد التخرج والزواج من رجل أعمال متيسر وإنجابها لابنها انشغلت بحياتها.. كانت زوجة مرفهة.. حياتها هذه لم تشغلها عن عمل الخير ولكن علي طريقة المتيسرين ماديا, فيجمعون التبرعات ويخصصونها لفئة من الفئات التي تحتاج دعما, وعلمت باحتياج جمعية ترعي الصم إلي أجهزة سمعية, فقرأت عن الجديد في هذا المجال وعرفت أنه في' كرواتيا' أجهزة للتوصيل العظمي لذبذبات الصوت يساعد هؤلاء الأطفال علي التواصل والانتظام في مدارس عادية بدلا من أن يصبحوا أسري لغة الإشارة, الاهتمام بهذه الفئة دفعها لتأسيس' جمعية نداء لضعاف السمع' وجهزتها بأحدث ما وصل إليه العلم في هذا المجال, وعندما صادفتها حالة طفلة لا تري ولا تسمع ولا تتكلم اكتشفت أن ذوي الإعاقة المزدوجة' سمع وبصر' يصنفون ضمن الإعاقات الذهنية وهم في الغالب ليسوا كذلك, وبالتعاون مع المجلس القومي للطفولة والأمومة تم تخصيص مشروع لتأهيلهم, وبخبراء من' النرويج' استمر المشروع لمدة خمس سنوات لتدريب متخصصين في تأهيل هذه الفئة لأول مرة في مصر.. واطمأنت عزة علي مستقبل الجمعية التي أصبحت تضم متخصصين بارعين وشعرت أنه لم يعد لديها ما تضيفه وقررت الانسحاب لأن بقاءها بينهم ليس سوي تمسك بالكرسي كرئيسة للجمعية حتي يظل النجاح منسوبا إليها. أيامها الهادئة التي كانت تستمتع خلالها بزواج ابنها الوحيد واستقبال الأحفاد قطع هدوءها جرس الباب في ذلك اليوم ليعيد إلي ذاكرتها صورة هذا الطفل.. الإبن.. الذي ارتبطت به في زياراتها لدار الأيتام وانشغلت عنه وهو في السابعة ليفتح أمامها نافذة تطل منها علي الأيتام من جديد.. تتأمل واقعهم وواقعها أيضا. تساءلت: لماذا نذهب إليهم؟ هل من أجلهم أم من أجلنا؟ وصارحت نفسها.. إننا نذهب إليهم لنحصل علي الثواب ولم نشغل بالنا بأكثر من المأكل والملبس وننسي أنهم بشر لهم مشاعر وأحاسيس, نتذكرهم أطفالا وننسي أنهم يكبرون, ونموهم الجسماني يلازمه نمو نفسي يحتاج رعاية.
عادت من جديد للتردد علي دور الأيتام.. ذهبت لتلاحظ. كانت ترقب نظرات الأطفال للأم البديلة وللزائرين, أيقنت ضرورة وجود معايير مهنية للعاملين بدور الأيتام وقررت تأسيس' جمعية وطنية لتطوير دور الأيتام' بدعم من زملائها في عمل الخير, ومن خلال تدريب العاملين بالدور تعرفوا علي الوجه الحقيقي لليتيم واستعانوا بالخبراء الدوليين في مجال التدريب المهني علي رعاية الأطفال واتفقوا مع واحدة من أكبر المؤسسات العالمية في اعتماد الشهادات التعليمية والتدريب المهني, وبالمعايير الدولية وبمواصفات مصرية تم إعداد برنامج تأهيل مهني معتمد من هذه المؤسسة, وفتحوا المجال لكل من يرغب من خريجي الجامعات في الحصول علي هذه الشهادة الدولية.. نعم الجامعيين.. فنظرة المجتمع لابد أن تتغير.. وتتغير أيضا نظرة اليتيم لنفسه, وقد حدث.. جاء المتدربون بكل حماس, وخرج الأيتام عن صمتهم, ومع' ماما عزة' التي تخطت الخمسين من عمرها ذهبوا إلي ساقية الصاوي وقف الأيتام الشباب أعضاء برنامج' فرصة' يعبرون عن رؤيتهم وكيف اكتشفوا ذاتهم.
في الساقية جلست عزة وعيناها تتفحص وترقب وتغالبها الدموع أحيانا, وكلما توجه إليها أحد باستفسار تشير لمن يستطيع الإجابة, فهي تؤمن بالتخصص الذي حقق النجاح لجمعية نداء ولجمعية وطنية, وأيضا لأنها تخجل ويكسو وجهها الذي يشع طيبة حمرة الحياء عند سماع كلمة ثناء.
من بين نظراتها يطل حلمها أن يصدر قرار من وزارة التضامن بتطبيق معايير الجودة علي دور الأيتام.. فهل بتحقيق هذا الحلم ستنتقل عزة إلي مشروع آخر؟ قالت لا.. ولكن الحقيقة أنها بدأت بالفعل مشروع جديد هو وضع أقدام الأحفاد علي طريق العطاء, فحفيدتها' سلمي' ذات الثمان سنوات طلبت أن تشارك في تعليم الأطفال الرسم والتقطت الجدة الفكرة واقترحت برنامجا للأطفال في دور الرعاية يتبادلون مع أقرانهم من خارج الدور الهويات والخبرات.. وفي الطريق, بالطبع بعد سنوات قليلة سيشارك الحفيد' عمر' ذو الثلاث سنوات وشقيقه' علي' الذي أكمل عامه الأول.
عادت من جديد للتردد علي دور الأيتام.. ذهبت لتلاحظ. كانت ترقب نظرات الأطفال للأم البديلة وللزائرين, أيقنت ضرورة وجود معايير مهنية للعاملين بدور الأيتام وقررت تأسيس' جمعية وطنية لتطوير دور الأيتام' بدعم من زملائها في عمل الخير, ومن خلال تدريب العاملين بالدور تعرفوا علي الوجه الحقيقي لليتيم واستعانوا بالخبراء الدوليين في مجال التدريب المهني علي رعاية الأطفال واتفقوا مع واحدة من أكبر المؤسسات العالمية في اعتماد الشهادات التعليمية والتدريب المهني, وبالمعايير الدولية وبمواصفات مصرية تم إعداد برنامج تأهيل مهني معتمد من هذه المؤسسة, وفتحوا المجال لكل من يرغب من خريجي الجامعات في الحصول علي هذه الشهادة الدولية.. نعم الجامعيين.. فنظرة المجتمع لابد أن تتغير.. وتتغير أيضا نظرة اليتيم لنفسه, وقد حدث.. جاء المتدربون بكل حماس, وخرج الأيتام عن صمتهم, ومع' ماما عزة' التي تخطت الخمسين من عمرها ذهبوا إلي ساقية الصاوي وقف الأيتام الشباب أعضاء برنامج' فرصة' يعبرون عن رؤيتهم وكيف اكتشفوا ذاتهم.
في الساقية جلست عزة وعيناها تتفحص وترقب وتغالبها الدموع أحيانا, وكلما توجه إليها أحد باستفسار تشير لمن يستطيع الإجابة, فهي تؤمن بالتخصص الذي حقق النجاح لجمعية نداء ولجمعية وطنية, وأيضا لأنها تخجل ويكسو وجهها الذي يشع طيبة حمرة الحياء عند سماع كلمة ثناء.
من بين نظراتها يطل حلمها أن يصدر قرار من وزارة التضامن بتطبيق معايير الجودة علي دور الأيتام.. فهل بتحقيق هذا الحلم ستنتقل عزة إلي مشروع آخر؟ قالت لا.. ولكن الحقيقة أنها بدأت بالفعل مشروع جديد هو وضع أقدام الأحفاد علي طريق العطاء, فحفيدتها' سلمي' ذات الثمان سنوات طلبت أن تشارك في تعليم الأطفال الرسم والتقطت الجدة الفكرة واقترحت برنامجا للأطفال في دور الرعاية يتبادلون مع أقرانهم من خارج الدور الهويات والخبرات.. وفي الطريق, بالطبع بعد سنوات قليلة سيشارك الحفيد' عمر' ذو الثلاث سنوات وشقيقه' علي' الذي أكمل عامه الأول.
المصدر الاهرام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.