شجرة الدر أحد أشهر الشخصيات العربية والتي صارت سيدة القصر وصاحبة الكلمة في حكم مصر بعد أن تزوجت زواجا شرعيا من الملك الصالح نجم الدين بن الملك الكامل
بن الملك العادل بن صلاح الدين الأيوبي, وقد اتخذها في البداية جارية له بعد أن فتن بجمالها وقوامها وفيض جاذبيتها وذكائها لتصبح محظيته وأم ولده خليل وقد كانت تناديه ياأبا خليل, وبسبب شجرة الدر ترك نجم الدين زوجته العالمة أم ولده غياث الدين تورانشاه, وقد اختلف المؤرخون في تحديد جنسيتها; فقيل انها رومانية, وقيل انها جركسية, وفي التاريخ ما أن يذكر اسم شجرة الدر حتي يقترن به اسم مرجانة الجارية الثانية لنجم الدين وقد اشتراها من حلب والتي كان يحكمها نائبا عن والده الملك الكامل الذي كان يحكم مصر حتي توفي عام635 هجرية(1238 ميلادية) وكانا يعتقدان- شجرة الدر ومرجانة- أنهما من بلدة واحدة فيجبال القوقاز ساقهما النخاسون طفلتين صغيرتين وباعوهما للأمراء والحكام في بلاد الشام.
وقد كانت شجرة الدر ومرجانة محل استلهام العديد من الفنانين المستشرقين ليقوموا برسمهما في العديد من لوحاتهم المتحفية التي تجمع بين الواقعية والشاعرية والمثالية, وقد نشطت حركة الاستشراق بصورة تدريجية منذ سقوط الدولة البيزنطية في القرن الخامس عشر حتي وصلت إلي ذروتها في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ليبدع هؤلاء الفنانون الغربيون من خلال تاريخنا وعاداتنا وتقاليدنا روائع خالدة في رسم الجواري وسيدات القصور وأجنحة الحريم وربات الجمال من نساء الشرق بمفاتنهن الأنثوية الموحية بالجمال والإثارة.
بعد وفاة الملك الكامل ملك مصر استولي علي الحكم ابنه الأصغر سيف الدين أبو بكر الملقب بالملك العادل الثاني حيث كان الابن الأكبر نجم الدين في حصن كيفا واليا وحاكما له, وهو حصن من حصون المشارق يقع علي حدود تركستان, وكان يري نجم الدين أنه الأحق بالعرش, وقرر انتزاع الحكم بالقوة, فصحب زوجته وابنهما ومرجانة, وزحف علي رأس جيشه الصغير المؤلف من عشرات الجنود, وبعض المماليك, وعلي رأسهم بيبرس,وايبك, وقلاوون, واقطاي,, متوجهين نحو الجنوب فاعترضه الناصر داود ابن عم نجم الدين وصاحب قلعة الكرك, الشاهقة أسوارها, الحصينة أبراجها, والتي تقع عبر نهر الأردن ويبسط صاحبها من خلالها نفوذه علي البقاع المجاورة, وقد بقي نجم الدين وبعض خاصته ونسائه في قبضة الناصر داود بعد أن أوقعه مع جيشه في كمين شتت شملهم ليودعهم سجون القلعة سبعة أشهر كاملة, وكانت الجاريتان شجرة الدر ومرجانة خلف قضبان أحدهما, وقد تسمرت عيناهما ذات يوم علي باب سجنهما ينتظران قدوم سيدهما نجم الدين بعد أن اقتادوه ليتباحث مع الناصر داود وظل لساعات في مفاوضات متشعبة, ولم تكن هناك عداوة بين نجم الدين والناصر داود لكنها مساومة علي اقتسام الغنيمة وتوزيع النفوذ, أفضت إلي أن يستقل الناصر داود بحكم الشام وينتزع نجم الدين حكم مصر من أخيه, ويزف نجم الدين هذا الخبر إلي شجرة الدر والتي كانت صاحبة الحظوة بعد أن آثرها علي مرجانة التي أصبحت وصيفة لها بالغت في التقرب منها رغم اكتوائها بنار الغيرة حيث كانت تهيم بحب سيدها, وقد كانت تجيد الحكايا والأساطير وتضرب الودع وتجيد قراءة الطالع, فقد تعلمت كل ذلك عندما كانت ملكا لأحد أمراء الفرس في جبال اللاذقية, وقد تنبأت لشجرة الدر بالجلوس علي العرش وستصبح الحاكمة بأمرها وذلك ضمن حكايا ليالي قلعة الكرك, وقد استغلت مرجانة كل ذلك لتسيطر علي سيدتها شجرة الدر بتوجيهاتها ونصائحها لتصل إلي مآربها في الانتقام منها حينما تواتيها الفرصة.
تركت شجرة الدر ومرجانة مع سيدهما نجم الدين قلعة الكرك تنفيذا للصفقة التي تمت مع الناصر داود متوجهين إلي مصر لتبدأ فيها الأحداث بخلع نجم الدين أخاه سيف الدين والزج به في السجن بقلعة صلاح الدين, وزاد علي ذلك بأن قتله خنقا في سجنه عام637 هجرية وسيطر تماما علي الحكم في مصر وأصلح أحوالها محسنا التصرف في مقاليد الحكم, وشعورا بثقل المسئولية لتصير شجرة الدر بعد أن تزوجها زواجا شرعيا صاحبة الكلمة العليا في كل شئون الدولة وشعرت بالحظ وقد أحاطها بكل ما تبتغيه فقد انعمت بما أوتيت من جاه ونفوذ وسلطان وحكم وزوج وولد, لتفاجأ بصدمة عنيفة بموت ولدها خليل ويهتز عرشها في أحداث داخلية وخارجية, ولم يمهلها القدر لتستجمع قواها بعد وفاته لتحدث الصدمة الكبري بوفاة زوجها نجم الدين عام647 هجرية( عام1249 ميلادية).
وقد كان هول الصدمة في وفاة نجم الدين يتمثل في أن وفاته واكبت المعارك المشتعلة بين المصريين والصليبيين الذين كان يقودهم لويس التاسع ملك فرنسا الذي كان يتأهب للزحف بجيوشه الفرنسية إلي القاهرة عن طريق المنصورة بعد نزوله مدينة دمياط في الخامس من شهر يونيو عام1249, وبحنكة وذكاء وحكمة وشجاعة اخفت شجرة الدر وفاة زوجها عن الجميع, إلا اقرب الناس إليها,الحاقدة عليها, مرجانة والتي انتهزت الفرصة للقيام بدورها في التخطيط والانتقام من سيدتها حيث ذكرتها بأنها هي التي تنبأت بجلوسها علي العرش واستئثارها بالحكم وحدها, لترد عليها شجرة الدر: وهل في هذه المسئولية الجسيمة ما يجلب في السعادة؟ وبذكاء التقطت مرجانة خيط المشكلة التي تشغل بال سيدتها وهو غياث الدين توارنشاه ابن نجم الدين من زوجته السابقة وأيقنت أنها المشكلة الكبري التي ستواجهها,وانتهزت الفرصة لتقول لها:إن غياث الدين توارنشاه هو العقبة الكبري أمام طموحاتنا,وقد تشاء الظروف بأن تبعده عن طريقك كما حدث مع عمه وأبيه, وأضافت: وليتك تعتمدين علي في مثل هذه الأمور! وقد كانت شجرة الدر لا تخفي صغيرة ولا كبيرة عنها, وزادت ثقتها بها وهي التي تتفجر حقدا عليها!.
أخفت شجرة الدر نبأ وفاة زوجها نجم الدين عن الجيش والشعب المصري وهو مارفع من شأنها وقدرها لديه, حيث واصلت بمفردها التصرف في أمور البلاد استعانت خلالها بالمقربين إليها,المخلصين لها وركزت جهودها علي صد الخطر الصليبي القادم من شمال البلاد, وقد أرسلت رسلها في طلب وحضور الأمير توارنشاه من الشام فورا, واستغرقت الرحلة ذهابا وإيابا ثلاثة أشهر حافظت فيها شجرة الدر علي السر الخطير, كانت تصدر القرارات والمراسيم والتعليمات والأوامر مذيلة بخاتم الملك الصالح نجم الدين متعللة بمرضه وملازمته الفراش, وقد أحرزت انتصارات باهرة علي الجيوش الفرنسية واوقفت زحفهم وتفرقت كتائبهم مع انتفاضة الشعب بكل طاقته وموارده وطبقاته حتي وصول غياث الدين الذي تفرغ لقيادة الجيش ضد الصليبيين بعد أن أعلن خبر وفاة والده نجم الدين وتنصيب نفسه ملكا علي مصر والشام بعد أن أعادت إليه شجرة الدر مقاليد الحكم وتبعات الملك وذلك في نهاية عام647 الهجري, وخلال اسبوعين وبعد تفرغ غياث الدين لقيادة الجيش انزل بالصليبيين كارثة مروعة وسحق جيشهم في المنصورة ووقع الملك لويس التاسع أسيرا في أيدي المصريين الذين اقتادوه إلي دار ابن لقمان حيث اتخذوه سجنا له, لتعم البلاد أفراح الانتصار وأمجاد السيادة والكرامة وعودة الثقة والتفاني بحب الوطن.
لقد أثر هذا الانتصار علي توارنشاه وأصابه بنشوة التعالي والخيلاء ليعامل شجرة الدر بخشونة وقسوة وجفاء لم تتعوده, وتعالي علي الأمراء المخلصين الذين حافظوا علي عرش البلاد بعد وفاة أبيه وقبل وصوله, وقام بابعادهم, وطلب من شجرة الدر ماتبقي من ثروة ابيه, وقد انعكس هذا التعامل بردود فعل غاضبة لتحاك المؤامرات ضده بالردع والانتقام منه بعد ان استفز مماليك البحرية, ليحاول توارنشاه الفرار بعد أن ضربه بيبرس البندقداري بالسيف فقطع يده, وادركه المنتقمون في وسط النيل ليجهزوا عليه وذلك في شهر المحرم من عام648 هجرية بعد خمسة أسابيع من مبايعته ملكا, وألقيت جثته في العراء ثلاثة ايام ولا يعرف أحد أين دفنت, لتنقرض أسرة الأيوبيين في مصر ويخلو العرش رسميا لشجرة الدر حيث بايعها الأمراء وكبار رجال الدولة لتكون أول ملكة تجلس علي العرش وحدها في تاريخ الإسلام, ولقبت بالملكة عصمة الدين والملكة ام خليل المستعصمية نسبة الي الخليفة المستعصم, ونقش اسمها علي الدراهم والدنانير, وبدأت في عهدها تسيير المحمل المصري الي الحجاز, والذي يحمل كسوة الكعبة الي بيت الله الحرام, بالاضافة الي المؤن والأموال لأهل البيت وكان أول ما تأمر به عدة أثواب مزركشة وقرطين من الماس ومجموعة نادرة من القباقيب مصنوعة من خشب الصندل المموه بالذهب لجاريتها مرجانة, التي كانت تطلب المزيد من هذه القباقيب في المناسبات المختلفة.
وقد جاءت ردود الفعل الغاضبة في مختلف بلاد الاسلام برفض تولي امرأة للعرش حيث أرسل الخليفة المستعصم بالله العباسي يقول: ويل لبلد تحكمه امرأة, إذا كانت مصر قد أقفرت من الرجال فأخبرونا حتي نرسل اليكم رجلا.
وبذكاء وحنكة أدركت الملكة أن الأمور حولها لن تستقر بدون وجود رجل بجوارها يساندها ويشاركها السلطان والرأي والحكم لتتزوج من الأمير عز الدين أيبك التركماني الذي اتخذ من الملك المعز لقبا له وبدأ بارضاء الفئة الباقية علي ولائها للأسرة الأيوبية فاختار موسي الأمير الصغيرة من سلالة الملك العادل ونصبه ملكا معه متخذا لقبالملك الأشرف ثم زج به في السجن بعد استقرار الأمور ثم قتله ليصفوا الجو له مع شجرة الدر ليتمكن من توطيد ملكه وعرشه خصوصا وأن زوجته الملكة قد بلغت الخمسين من عمرها مما سيمكنه من بسط نفوذه وسلطانه ليكون صاحب الكلمة العليا وأخذ يخطط في مستقبل ذلك كله ومن يورث العرش خصوصا وأن شجرة الدر لن تستطيع الانجاب, وابنها من الملك الصالح نجم الدين مات صغيرا, فيحين أن جاريته قد انجبت له نور الدين علي, وزاد طموحه ليرسل إلي بدر الدين لؤلؤ حاكم الموصل يطلب منه أن يزوجه بابنته, لتسوء علاقته بشجرة الدروغضبت أشد الغضب بعد علمها أنه ينوي استقبال العروس الجديدة في قصر القلعة, ثم دار الوزارة بالقاهرة.
من خلال مرجانة وقيادتها لمجموعة من الخدم علمت بكل مايدور من أحداث لتسعي إلي الوقيعة بين الزوجين الذين عاشا سبع سنوات في شقاق وخلافات, ونجحت في اشعال الفتنة لتوعز إلي شجرة الدر بأن زوجها عز الدين يخطط لاغتيالها, وساق فكر الملكة لأن تقضي عليه عن طريق غلمانها فنفذوا أوامرها بذلك علي مرأي منها,ويذكر المؤرخون انها بدأت اغتياله بضربة القبقاب الأولي علي رأسه وتوالت ضربات الغلمان حتي أجهزوا عليه.
هب أنصار عز الدين ايبك من المماليك ثائرين لهذه الجريمة البشعة ليهاجموا قصر الملكة ليقتادوها إلي أحد أبراج القلعة سجينة مجردة من سلطانها ونفوذها بعد أن فتكوا بالغلمان والحاشية من الخدم والعبيد ثم نادوا بالطفل نور الدين علي, ابن عزالدين ايبك ملكا علي مصر والشام ملقبينه باسمالملك المنصور وهو مالم تذعن له شجرة الدر ولا للأحداث المروعة التي حاقت بها واردات أن تفتك بهم وتغرقهم في بحور الدماء, فاستجمعت من بقي من أنصارها وحثتهم علي قتل هذا الطفل وأمه ثم المماليك المعزية فيهما بعد ذلك.
وصلت هذه الأنباء إلي مسامع مرجانة لتواتيها الفرصة وتحقق رغبتها المكتومة المتمثلة في حسدها وحقدها الدفين علي شجرة الدر التي فضلها سيدها نجم الدين عليها, لتقوم بنقل هذه الأنباء إلي أم نور الدين التي اجتمع معها المماليك ورجتهم أن يقتلوا غريمتها شجرة الدر.
بعد قتل المعز بأيام اقتاد المماليك شجرة الدر إلي غريمتها ام نور الدين الملك المنصور لتشير إلي جواريها بعد أن مثلت أمامها ليثبوا عليها ويبرحانها ضربا بالقباقيب تتقدمهم مرجانة متحينة الفرصة في الانتقام الذي اضمرته بعد تلك الأعوام الطويلة التي عاشتها معها توهمها باخلاصها وحبها وولائها لها, وتقول رواية اخري أن أم علي زوجة المعز الأولي حرضت ابنها عليا علي قتلها انتقاما لأبيه.
ولفظت شجرة الدر آخر أنفاسها في هذا المشهد المروع ليسدل الستار علي أول ملكة في الاسلام حكمت مصر ثمانية عشر عاما بذكائها وكذلك قوتها وتسلطها وعنفوانها والذي فشلت في التوفيق بين هذه الصفات مع نعومة ورقة طبيعتها الأنثوية.
وقد كانت شجرة الدر ومرجانة محل استلهام العديد من الفنانين المستشرقين ليقوموا برسمهما في العديد من لوحاتهم المتحفية التي تجمع بين الواقعية والشاعرية والمثالية, وقد نشطت حركة الاستشراق بصورة تدريجية منذ سقوط الدولة البيزنطية في القرن الخامس عشر حتي وصلت إلي ذروتها في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ليبدع هؤلاء الفنانون الغربيون من خلال تاريخنا وعاداتنا وتقاليدنا روائع خالدة في رسم الجواري وسيدات القصور وأجنحة الحريم وربات الجمال من نساء الشرق بمفاتنهن الأنثوية الموحية بالجمال والإثارة.
بعد وفاة الملك الكامل ملك مصر استولي علي الحكم ابنه الأصغر سيف الدين أبو بكر الملقب بالملك العادل الثاني حيث كان الابن الأكبر نجم الدين في حصن كيفا واليا وحاكما له, وهو حصن من حصون المشارق يقع علي حدود تركستان, وكان يري نجم الدين أنه الأحق بالعرش, وقرر انتزاع الحكم بالقوة, فصحب زوجته وابنهما ومرجانة, وزحف علي رأس جيشه الصغير المؤلف من عشرات الجنود, وبعض المماليك, وعلي رأسهم بيبرس,وايبك, وقلاوون, واقطاي,, متوجهين نحو الجنوب فاعترضه الناصر داود ابن عم نجم الدين وصاحب قلعة الكرك, الشاهقة أسوارها, الحصينة أبراجها, والتي تقع عبر نهر الأردن ويبسط صاحبها من خلالها نفوذه علي البقاع المجاورة, وقد بقي نجم الدين وبعض خاصته ونسائه في قبضة الناصر داود بعد أن أوقعه مع جيشه في كمين شتت شملهم ليودعهم سجون القلعة سبعة أشهر كاملة, وكانت الجاريتان شجرة الدر ومرجانة خلف قضبان أحدهما, وقد تسمرت عيناهما ذات يوم علي باب سجنهما ينتظران قدوم سيدهما نجم الدين بعد أن اقتادوه ليتباحث مع الناصر داود وظل لساعات في مفاوضات متشعبة, ولم تكن هناك عداوة بين نجم الدين والناصر داود لكنها مساومة علي اقتسام الغنيمة وتوزيع النفوذ, أفضت إلي أن يستقل الناصر داود بحكم الشام وينتزع نجم الدين حكم مصر من أخيه, ويزف نجم الدين هذا الخبر إلي شجرة الدر والتي كانت صاحبة الحظوة بعد أن آثرها علي مرجانة التي أصبحت وصيفة لها بالغت في التقرب منها رغم اكتوائها بنار الغيرة حيث كانت تهيم بحب سيدها, وقد كانت تجيد الحكايا والأساطير وتضرب الودع وتجيد قراءة الطالع, فقد تعلمت كل ذلك عندما كانت ملكا لأحد أمراء الفرس في جبال اللاذقية, وقد تنبأت لشجرة الدر بالجلوس علي العرش وستصبح الحاكمة بأمرها وذلك ضمن حكايا ليالي قلعة الكرك, وقد استغلت مرجانة كل ذلك لتسيطر علي سيدتها شجرة الدر بتوجيهاتها ونصائحها لتصل إلي مآربها في الانتقام منها حينما تواتيها الفرصة.
تركت شجرة الدر ومرجانة مع سيدهما نجم الدين قلعة الكرك تنفيذا للصفقة التي تمت مع الناصر داود متوجهين إلي مصر لتبدأ فيها الأحداث بخلع نجم الدين أخاه سيف الدين والزج به في السجن بقلعة صلاح الدين, وزاد علي ذلك بأن قتله خنقا في سجنه عام637 هجرية وسيطر تماما علي الحكم في مصر وأصلح أحوالها محسنا التصرف في مقاليد الحكم, وشعورا بثقل المسئولية لتصير شجرة الدر بعد أن تزوجها زواجا شرعيا صاحبة الكلمة العليا في كل شئون الدولة وشعرت بالحظ وقد أحاطها بكل ما تبتغيه فقد انعمت بما أوتيت من جاه ونفوذ وسلطان وحكم وزوج وولد, لتفاجأ بصدمة عنيفة بموت ولدها خليل ويهتز عرشها في أحداث داخلية وخارجية, ولم يمهلها القدر لتستجمع قواها بعد وفاته لتحدث الصدمة الكبري بوفاة زوجها نجم الدين عام647 هجرية( عام1249 ميلادية).
وقد كان هول الصدمة في وفاة نجم الدين يتمثل في أن وفاته واكبت المعارك المشتعلة بين المصريين والصليبيين الذين كان يقودهم لويس التاسع ملك فرنسا الذي كان يتأهب للزحف بجيوشه الفرنسية إلي القاهرة عن طريق المنصورة بعد نزوله مدينة دمياط في الخامس من شهر يونيو عام1249, وبحنكة وذكاء وحكمة وشجاعة اخفت شجرة الدر وفاة زوجها عن الجميع, إلا اقرب الناس إليها,الحاقدة عليها, مرجانة والتي انتهزت الفرصة للقيام بدورها في التخطيط والانتقام من سيدتها حيث ذكرتها بأنها هي التي تنبأت بجلوسها علي العرش واستئثارها بالحكم وحدها, لترد عليها شجرة الدر: وهل في هذه المسئولية الجسيمة ما يجلب في السعادة؟ وبذكاء التقطت مرجانة خيط المشكلة التي تشغل بال سيدتها وهو غياث الدين توارنشاه ابن نجم الدين من زوجته السابقة وأيقنت أنها المشكلة الكبري التي ستواجهها,وانتهزت الفرصة لتقول لها:إن غياث الدين توارنشاه هو العقبة الكبري أمام طموحاتنا,وقد تشاء الظروف بأن تبعده عن طريقك كما حدث مع عمه وأبيه, وأضافت: وليتك تعتمدين علي في مثل هذه الأمور! وقد كانت شجرة الدر لا تخفي صغيرة ولا كبيرة عنها, وزادت ثقتها بها وهي التي تتفجر حقدا عليها!.
أخفت شجرة الدر نبأ وفاة زوجها نجم الدين عن الجيش والشعب المصري وهو مارفع من شأنها وقدرها لديه, حيث واصلت بمفردها التصرف في أمور البلاد استعانت خلالها بالمقربين إليها,المخلصين لها وركزت جهودها علي صد الخطر الصليبي القادم من شمال البلاد, وقد أرسلت رسلها في طلب وحضور الأمير توارنشاه من الشام فورا, واستغرقت الرحلة ذهابا وإيابا ثلاثة أشهر حافظت فيها شجرة الدر علي السر الخطير, كانت تصدر القرارات والمراسيم والتعليمات والأوامر مذيلة بخاتم الملك الصالح نجم الدين متعللة بمرضه وملازمته الفراش, وقد أحرزت انتصارات باهرة علي الجيوش الفرنسية واوقفت زحفهم وتفرقت كتائبهم مع انتفاضة الشعب بكل طاقته وموارده وطبقاته حتي وصول غياث الدين الذي تفرغ لقيادة الجيش ضد الصليبيين بعد أن أعلن خبر وفاة والده نجم الدين وتنصيب نفسه ملكا علي مصر والشام بعد أن أعادت إليه شجرة الدر مقاليد الحكم وتبعات الملك وذلك في نهاية عام647 الهجري, وخلال اسبوعين وبعد تفرغ غياث الدين لقيادة الجيش انزل بالصليبيين كارثة مروعة وسحق جيشهم في المنصورة ووقع الملك لويس التاسع أسيرا في أيدي المصريين الذين اقتادوه إلي دار ابن لقمان حيث اتخذوه سجنا له, لتعم البلاد أفراح الانتصار وأمجاد السيادة والكرامة وعودة الثقة والتفاني بحب الوطن.
لقد أثر هذا الانتصار علي توارنشاه وأصابه بنشوة التعالي والخيلاء ليعامل شجرة الدر بخشونة وقسوة وجفاء لم تتعوده, وتعالي علي الأمراء المخلصين الذين حافظوا علي عرش البلاد بعد وفاة أبيه وقبل وصوله, وقام بابعادهم, وطلب من شجرة الدر ماتبقي من ثروة ابيه, وقد انعكس هذا التعامل بردود فعل غاضبة لتحاك المؤامرات ضده بالردع والانتقام منه بعد ان استفز مماليك البحرية, ليحاول توارنشاه الفرار بعد أن ضربه بيبرس البندقداري بالسيف فقطع يده, وادركه المنتقمون في وسط النيل ليجهزوا عليه وذلك في شهر المحرم من عام648 هجرية بعد خمسة أسابيع من مبايعته ملكا, وألقيت جثته في العراء ثلاثة ايام ولا يعرف أحد أين دفنت, لتنقرض أسرة الأيوبيين في مصر ويخلو العرش رسميا لشجرة الدر حيث بايعها الأمراء وكبار رجال الدولة لتكون أول ملكة تجلس علي العرش وحدها في تاريخ الإسلام, ولقبت بالملكة عصمة الدين والملكة ام خليل المستعصمية نسبة الي الخليفة المستعصم, ونقش اسمها علي الدراهم والدنانير, وبدأت في عهدها تسيير المحمل المصري الي الحجاز, والذي يحمل كسوة الكعبة الي بيت الله الحرام, بالاضافة الي المؤن والأموال لأهل البيت وكان أول ما تأمر به عدة أثواب مزركشة وقرطين من الماس ومجموعة نادرة من القباقيب مصنوعة من خشب الصندل المموه بالذهب لجاريتها مرجانة, التي كانت تطلب المزيد من هذه القباقيب في المناسبات المختلفة.
وقد جاءت ردود الفعل الغاضبة في مختلف بلاد الاسلام برفض تولي امرأة للعرش حيث أرسل الخليفة المستعصم بالله العباسي يقول: ويل لبلد تحكمه امرأة, إذا كانت مصر قد أقفرت من الرجال فأخبرونا حتي نرسل اليكم رجلا.
وبذكاء وحنكة أدركت الملكة أن الأمور حولها لن تستقر بدون وجود رجل بجوارها يساندها ويشاركها السلطان والرأي والحكم لتتزوج من الأمير عز الدين أيبك التركماني الذي اتخذ من الملك المعز لقبا له وبدأ بارضاء الفئة الباقية علي ولائها للأسرة الأيوبية فاختار موسي الأمير الصغيرة من سلالة الملك العادل ونصبه ملكا معه متخذا لقبالملك الأشرف ثم زج به في السجن بعد استقرار الأمور ثم قتله ليصفوا الجو له مع شجرة الدر ليتمكن من توطيد ملكه وعرشه خصوصا وأن زوجته الملكة قد بلغت الخمسين من عمرها مما سيمكنه من بسط نفوذه وسلطانه ليكون صاحب الكلمة العليا وأخذ يخطط في مستقبل ذلك كله ومن يورث العرش خصوصا وأن شجرة الدر لن تستطيع الانجاب, وابنها من الملك الصالح نجم الدين مات صغيرا, فيحين أن جاريته قد انجبت له نور الدين علي, وزاد طموحه ليرسل إلي بدر الدين لؤلؤ حاكم الموصل يطلب منه أن يزوجه بابنته, لتسوء علاقته بشجرة الدروغضبت أشد الغضب بعد علمها أنه ينوي استقبال العروس الجديدة في قصر القلعة, ثم دار الوزارة بالقاهرة.
من خلال مرجانة وقيادتها لمجموعة من الخدم علمت بكل مايدور من أحداث لتسعي إلي الوقيعة بين الزوجين الذين عاشا سبع سنوات في شقاق وخلافات, ونجحت في اشعال الفتنة لتوعز إلي شجرة الدر بأن زوجها عز الدين يخطط لاغتيالها, وساق فكر الملكة لأن تقضي عليه عن طريق غلمانها فنفذوا أوامرها بذلك علي مرأي منها,ويذكر المؤرخون انها بدأت اغتياله بضربة القبقاب الأولي علي رأسه وتوالت ضربات الغلمان حتي أجهزوا عليه.
هب أنصار عز الدين ايبك من المماليك ثائرين لهذه الجريمة البشعة ليهاجموا قصر الملكة ليقتادوها إلي أحد أبراج القلعة سجينة مجردة من سلطانها ونفوذها بعد أن فتكوا بالغلمان والحاشية من الخدم والعبيد ثم نادوا بالطفل نور الدين علي, ابن عزالدين ايبك ملكا علي مصر والشام ملقبينه باسمالملك المنصور وهو مالم تذعن له شجرة الدر ولا للأحداث المروعة التي حاقت بها واردات أن تفتك بهم وتغرقهم في بحور الدماء, فاستجمعت من بقي من أنصارها وحثتهم علي قتل هذا الطفل وأمه ثم المماليك المعزية فيهما بعد ذلك.
وصلت هذه الأنباء إلي مسامع مرجانة لتواتيها الفرصة وتحقق رغبتها المكتومة المتمثلة في حسدها وحقدها الدفين علي شجرة الدر التي فضلها سيدها نجم الدين عليها, لتقوم بنقل هذه الأنباء إلي أم نور الدين التي اجتمع معها المماليك ورجتهم أن يقتلوا غريمتها شجرة الدر.
بعد قتل المعز بأيام اقتاد المماليك شجرة الدر إلي غريمتها ام نور الدين الملك المنصور لتشير إلي جواريها بعد أن مثلت أمامها ليثبوا عليها ويبرحانها ضربا بالقباقيب تتقدمهم مرجانة متحينة الفرصة في الانتقام الذي اضمرته بعد تلك الأعوام الطويلة التي عاشتها معها توهمها باخلاصها وحبها وولائها لها, وتقول رواية اخري أن أم علي زوجة المعز الأولي حرضت ابنها عليا علي قتلها انتقاما لأبيه.
ولفظت شجرة الدر آخر أنفاسها في هذا المشهد المروع ليسدل الستار علي أول ملكة في الاسلام حكمت مصر ثمانية عشر عاما بذكائها وكذلك قوتها وتسلطها وعنفوانها والذي فشلت في التوفيق بين هذه الصفات مع نعومة ورقة طبيعتها الأنثوية.
المصدر الاهرام - د. محمد الناصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.