الأحد، 22 سبتمبر 2013

متي ينصــف المجتمع الغــارمـــات ؟

هذه اللفتة الإنسانية التي حنت بها القوات المسلحة علي سجينات غارمات عائلات لأسرهن‏..‏ صدرت ضدهن أحكام بالسجن في قضايا العجز عن سداد الأقساط أو الشيكات دون رصيد أو إيصالات الأمانة, وتحملت المبالغ المستحقة عليهن, وسعت لإخراجهن من السجن كي يستأنفن رعاية أسرهن وينعمن بالحرية وسط أبنائهن بعيدا عن قيود السجن ومعاناته, حيث تم بالفعل الإفراج عن48 سجينة كدفعة أولي ممن تتراوح الديون المستحقة عليهن بين ألف و15 ألف جنيه, وكانت قد صدرت أحكام ضدهن تبدأ من الحبس لمدة عام إلي السجن سبع سنوات.. ويجري حاليا التنسيق بين القوات المسلحة ومصلحة السجون لحصر الأعداد المتبقية من السجينات الغارمات لدفع المبالغ المستحقة عليهن والإفراج عنهن تباعا.. وذلك بناء علي توجيهات الفريق أول عبد الفتاح السيسي النائب الأول لرئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة وتم نشره بالصحف قبيل عيد الفطر الماضي.ولكن هل هذا العمل الإنساني من اختصاصات القوات المسلحة والتي لديها من الهموم والمسئوليات ما يكفي حتي نحملها عبء هؤلاء الغارمات أيضا؟!.. وأين منظمات المرأة ومنظمات المجتمع المدني ورجال الأعمال؟.. وإن كانت مؤسسة مصر الخير بإشراف د.علي جمعة مفتي الجمهورية السابق قد تحملت من قبل سداد ديون بعض الغارمات- حسب إمكانات المؤسسة والتي تقوم علي تبرعات أهل الخير.. وأين دور حكومة الببلاوي تجاه الغارمات؟ خاصة أن التيار الشعبي قد تقدم باقتراح بذلك الأمر قبل أن تتحمل القوات المسلحة هذه المسئولية ولكن لم يبت فيه بالقبول أو الرفض مما يجعلنا نتساءل: كيف يمكن نشر ثقافة التكافل الاجتماعي في المجتمع المصري حتي تجد هؤلاء الغارمات دائما من ينصفهن؟.. وماذا عن أبعاد هذه اللفتة الإنسانية من الناحية السياسية والاجتماعية بالنسبة للمرأة بوجه خاص وللمجتمع بشكل عام؟..العاملون في العمل العام والخبراء والمختصون يردون علي ماطرحناه في السطور التالية:بداية تشيد د.عواطف سراج الدين رئيسة جمعية المرأة للتنمية الانسانية حياتي بهذه اللفتة الإنسانية وتقول: لأن الأم التي تسجن ستشرد أسرتها بالتأكيد, فهذه الفكرة النبيلة تدل علي شعور القوات المسلحة بدور المرأة المصرية ومكانتها في المجتمع, وتوضح أن الشعب كله أصبح في لحمة جميلة لها بعد اجتماعي وذات أثر إيجابي علي المرأة وعلي المجتمع بشكل عام.. وإن كنت أنتظر أن تقوم التأمينات الاجتماعية بهذا الإجراء والتي لديها مليار جنيه وأكثر, وأيضا كنت أتوقع من البنوك التي تدين هؤلاء السيدات أن تتنازل عن هذا الدين أو تتم جدولته كنوع من التكافل الاجتماعي.وأسألها: وأين دوركم كمجتمع مدني- بوصفك رئيسة جمعية حياتي ورئيسة ليونز جاردن سيتي في هذا الأمر؟تقول سراج الدين: سواء في الجمعية أو الليونز علي أتم استعداد أن نساهم في دفع دين الغارمات بناء علي بيانات تمدنا بها وزارة الشئون الاجتماعية ومصلحة السجون, كما أناشد جمعية رجال الأعمال لنتكاتف جميعا حتي نخفف العبء علي القوات المسلحة والتي لديها هموم أخري كثيرة في هذه المرحلة.. وأتساءل: أين دور المجلس القومي للمرأة في هذا الشأن؟ هل يقتصر دوره علي مواجهة العنف ضد المرأة فقط ؟ويري د.أحمد حسني ياقوت الباحث والمحاضر في العلوم السياسية بالجامعات المصرية أن مافعلته القوات المسلحة تجاه الغارمات يعد عمل إنساني من الدرجة الأولي لرفع المعاناة عن هؤلاء السيدات اللاتي تقاعسن عن سداد ديونهن نتيجة العوز ولأنهن عائلات لأسرهن, إما لتنطع بعض الأزواج أو لوفاة الأزواج أو لعدم وجود عائل, ومعظمهن أيضا لا يجدن القراءة والكتابة, وبهذا الإجراء يتم تحويل السيدة الغارمة هذه من مشروع مجرم- نتيجة اكتسابها صفات الخارجين علي القانون الذين تحبس معهم- إلي سيدة صالحة في المجتمع نتيجة إطلاق حريتها, وهذا في حد ذاته له بعد سياسي يساعد في تكوين شكل جديد في منظومة التكافل الاجتماعي في المجتمع المصري برفع هذا الغبن عن هؤلاء الغارمات وليس لها أي هدف سياسي كما يظن البعض ويروج له, لأن الفريق أول السيسي صرح بالصوت والصورة أمام الشعب أنه لا يهدف إلي ترشيح نفسه للرئاسة.. والبعد الاجتماعي هنا أيضا يفرض نفسه. وأناشد من خلاله جميع مؤسسات المجتمع المدني وأهل الخير ورجال الأعمال أن يفعلوا ما حث عليه الدين الإسلامي بأن للفقراء والسائل والمحروم حقا معلوما في أموالهم,وتحويل هذه الأموال إلي مشروعات صغيرة لهذه الأسر حتي تتحول إلي أسر منتجة وليست غارمة.ويؤكد د.السيد رزق الحجر أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة أيضا أن هذا الفعل من قبل القوات المسلحة عمل إسلامي يحض عليه الإسلام ويدعو إليه دائما, فالإسلام يضمن حقوق هؤلاء النسوة ويضمن كفالتهن, والذي يقوم بهذا العمل هو يؤدي فريضة إسلامية بالفعل, وهذا الموقف يحسب للقوات المسلحة ويشكرون عليه, حيثأنها قامت بالدور الذي كان من الواجب أن تقوم به الدولة تجاههن والمتمثلة في الحكومة, ولكن للأسف الحكومة هنا لم تقم بدورها تجاههن, ولذا يؤخذ علي الدولة هذا التقصير.ويري أستاذ الفلسفة الإسلامية أن نشر ثقافة التكافل الاجتماعي تأتي عن طريق الإعلام, ويقول إن الإعلام هو الوسيلة الأولي والأقدر علي نشر أي قيمة في المجتمع ثم تأتي بعدها الجهات الدينية المتمثلة في الأزهر ووزارة الأوقاف بما يتبعها من مساجد, ولذا مطلوب من الأئمة والوعاظ أن يرسخوا قيم العدل والتكافل في نفوس وأذهان أبناء الوطن, ومطلوب أيضا من رجال الأعمال أن يؤكدوا هذه القيم بجزء من أموالهم ويقدموها للمجتمع..ويعتبر د.رشاد عبد اللطيف استاذ تنظيم المجتمع بكلية الخدمة الاجتماعية جامعة حلوان أن ما فعلته القوات المسلحة تجاه الغارمات اتجاه جديد من الاتجاهات العديدة التي تؤكد بها القوات المسلحة حرصها علي المجتمع وعلي أفراده سواء كان ذلك من خلال إعادة الطرق والانشاءات الكبيرة الممتدة بين المحافظات, وكذلك إعادة تعمير المساجد والكنائس التي أحرقت أثناء الثورة, ثم يضاف إليها هذا البعد الاجتماعي, المهم وهو دفع ديون الغارمات والتركيز علي الغارمات لأن الأم عماد الأسرة, وقد تكون تورطت في هذه الديون نتيجة الرغبة في مساعدة أسرتها أو دفع ضرر عنها أو مساعدة الآباء والأبناء في حل مشاكلهم ونتج عن ذلك عدم قدرتهن علي دفع هذه الديون مما أدي بهن إلي السجن وقيام القوات المسلحة بهذا العمل يحقق أبعاد اجتماعية في المجتمع كحماية الأسرة من الانحراف وتحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي وتمكين هؤلاء الغارمات من أداء دورهن الحقيقي وهو التنشئة الاجتماعية للأبناء صغارا وكبارا, كما أن هذه المساعدات تدعم الجانب السياسي لأن عدم المساعدة الاجتماعية يعني وجود توترات اجتماعية وشعور من هؤلاء السيدات بالاستبعاد الاجتماعي, وهذا يؤثر علي البناء السياسي للدولة والاستقرار, علي اعتبار أن استمرارية العمل السياسي لا يتفق إلا من خلال مضمون اجتماعي والذي لاينجح إلا من خلال يد سياسية أو جهود سياسية تنفذ هذا العمل ولايملك هذا الجانب إلا جهاز قوي يحرص علي الجوانب الاجتماعية والاستقرار السياسي, وهذا لا يتأتي إلا من خلال الرؤية القومية والاستراتيجية لقوات المسلحة.. ومن هنا نناشد المؤسسات الأخري للتعاون مع القوات المسلحة لاستكمال هذا البرنامج للغارمات ذو البعد الاجتماعي البحت المنزه تماما عن أي أغراض سياسية.. بتوفير حرفة لهن يستطعن من خلالها مواصلة حياتهن حتي لا يلجأن إلي الاقتراض مرة أخري وأن يكون هناك دراسة دقيقة لهؤلاء الغارمات حتي تكون المساعدة في حدود الظروف, مع الاستعانة بالخبراء والاخصائين الاجتماعيين لتحقيق وتسهيل ذلك.






المصدر الاهرام


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.