لن تقبل المرأة المصرية بعد ثورة 25 يناير 2011 ومدها الأعلى والأعظم فى 30 يونيو 2013، أن تعامل كما عوملت جداتها بعد مشاركتهن فى ثورة 19 وتلقيهن مع الرجال رصاص الإنجليز وسقوط شهيدات الى جانب الشهداء،
وعندما انعقد البرلمان وجدن أنفسهن خارجه! ولم يتوقف نضالهن من أجل بلادهن، ومن أجل حقوقهن الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية والإنسانية.. والمشهد اليوم وبرغم ما يمتلئ به من سلبيات عطاء هذا الكفاح الطويل، الذى يستحق فى يوم المرأة المصرية 16 مارس تحية لكل امرأة مصرية فى أجيالهن المتعاقبة، وحلقات كفاحهن المتواصلة، الذى يذهب أبعد وأعمق من أن تكون البداية فقط يوم الأحد 16 مارس 1919 فى المظاهرة التى ضمت أكثر من خمسمائة سيدة وفتاة لتشتعل الثورة التى تفجرت بمظاهرة طلاب الحقوق قبل أسبوع بالضبط، وتمتلئ صفحات النضال المصرى بوقائع مشاركات للمرأة تؤكد أن جذورها الوطنية وعميق انتمائها وحبها لبلادها سبقت وتقدمت على جميع العوامل التى شاركت فيما بعد فى المتغيرات الكثيرة التى توالت عقب ثورة 1919، وفيما كتبته د. إجلال خليفة رحمة الله عليها عن صفحات ناصعة من تاريخ كفاح المرأة المصرية يعد زادا رائعا، بالإضافة الى ما كتبته د. لطيفة سالم فى كتابها «المرأة المصرية والتغير الاجتماعى 1919 ـ 1945»، وعناوين الكتب والدراسات التى تناولت هذا النضال تحتاج صفحات من »الأهرام«التى احتفت بمعارك تحرير المرأة واحتفت بالصدى الجماهيرى والتأييد الذى تلقته تعليقا من القراء على مظاهرة 16 مارس.
الرؤية المستنيرة والمدركة لأهمية خروج المرأة ومشاركتها فى الثورة واستقرارها فى المشهد السياسي، لم تكن تعبر عن تيار عام غالب ـ فبعد مظاهرة 16 مارس وتكرارها بعد أربعة أيام، وتصادم المتظاهرات مع القوات البريطانية، ما أن بدأت تهدأ الدهشة والإعجاب بها حتى عاد يتجدد التساؤل عن الدور المطلوب منها فى مسيرة بلادها، وأن تعود مشكورة وتكتفى بمجال الأعمال الخيرية والتطوعية التى لم تستنكف النساء أن يقمن بها ولكن دون مصادرة على حقوقهن فى العمل السياسى والاجتماعى والثقافى والاقتصادى والإنساني.
ومنذ الأحد 16 مارس 1919 وحتى اليوم الأحد 16 مارس 2014، لم تتوقف حركة الزمن الى الأمام ومازالت صخور كثيرة راسخة داخل الرءوس تحجب صحيح الرؤية الى قدرات واستحقاقات المرأة.. ومنذ الأحد 16 مارس 1919 وحتى الآن 2014 اختلف المشهد كثيرا وأصبح النساء كيانات ومؤسسات كثيرة تمثلها رسمية وأهلية وتزايدت نسب التعليم والمشاركة فى المواقع القيادية، وان ظلت متواضعة قياسا الى أدوارها التاريخية فى بناء البشر وفى بناء العمران والحضارة والثقافة ودورها فى تجاوز ما مر ببلادها من تحديات وتجلياتها فى 25 يناير 2011 و30 يونيو، أحدث وأعظم طبعة من عطاء لم يتوقف ويمثل مدخرا من مدخرات القوة والصلابة التى يواجه بها الملايين من المصريين والمصريات وثورتهم، المؤامرة والمخططات الأمريكية والصهيونية الدولية والإقليمية والإخوانية والارهابية، ودون مبالغة فالحصار الذى فرض فى مراحل كثيرة ـ ومازال ـ على مشاركاتها الفاعلة والمؤثرة من أسباب الفشل والتعثر الذى دفعت له مصر أثمانا غالية.
وفى مؤسسة الرئاسة، وجدت دعما واحتراما من السيد رئيس الجمهورية لكل ما تقدمت به من مقترحات ورؤى لتخفيف أشكال معاناة المرأة والآثار المدمرة لثلاثية الفقر والأمية وافتقاد الشروط الإنسانية للحياة والتركة الثقيلة التى تحمل النساء عبئها الأقسي، نتيجة للفساد والإفساد والانهيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على امتداد عشرات السنين، أؤدى المهمة فى المرحلة الانتقالية متعاونة مع المؤسسات والمنظمات الممثلة للمرأة سواء السابق على قيام ثورة 25 يناير 2011، أو ما تشكل بعدها، الخلاصة المهمة من تجربة العمل خلال الفترة الانتقالية أو سنوات طويلة من الكتابة والتواصل الميدانى مع جموع وهموم النساء، ضرورة تجميع صفوف وجهود وخطط العاملات فى مجال المرأة لتتكامل أدوارهن ويمثلن قوة ضاغطة ومؤثرة قوية وقادرة على توفير أحزمة أمان اقتصادى وسياسى وثقافى وانسانى حول جميع النساء وفى المقدمة منهن الأكثر احتياجا ووقوعا تحت خطوط الفقر المادى والإنساني، والعادات والتقاليد المضللة والمفاهيم الظلامية لصحيح الدين، وإلى جانب توحيد صفوفهن وجهودهن والاستجابة لمطالباتهن بالمشاركات العادلة فى مواقع القيادة والمسئولية لن يقبلن بإعادة استنساخ ما حدث فى ثورة 19 ليكون عليهن فقط أن يشكلن أعمدة أساسية للثورة، وبعدها ينسحبن ويرضين بالهوامش ومنح الإعجاب والتقدير!
الأجيال العظيمة من الصابرات والبناءات والعاملات من حفيدات المناضلات عبر حلقات التاريخ لن يرفعن رايات الاستسلام لأنهن يعرفن كم تحتاج إليهن بلدهن وأنهن يتقدمن أرصدة الأمان والتأمين والقوة لها فى مواجهة الاخطار والارهاب والمؤامرات المرفوعة عليها، وأولها التزام الدولة بتنفيذ الاستحقاقات الدستورية للمرأة، وتطرح المنظمات النسائية الرسمية والأهلية مقترحات مهمة لإنفاذ ما جاء فى المادة 11 من دستور 2014 التى تنص على أن تكفل الدولة اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلا مناسبا فى المجالس النيابية، والطريق تضمنه مشاركتها مناصفة فى لجان صنع القرار والسياسات العامة يتقدمها مشاركتها فى لجنة صياغة انتخابات مجلس النواب، والنسب والأرقام المؤسفة لما وصلت إليه بعد مشوار العطاء والنضال تفسر لماذا أصبحت مشاركاتها فى لجان صنع الحياة ضرورة ومطلبا وطنيا لبلادها قبل أن يكون لنفسها، وسأكتفى بمثال واحد لا تسمح مساحة المقال بإضافات كثيرة من مجالات عديدة [بحسب أحدث احصاءات الجهاز المركزى للاحصاء فى ذكرى اليوم العالمى للمرأة 8 مارس تصل نسبة مشاركة المرأة المصرية فى السلك القضائى(0.04%) مقابل 99.6% للرجال.
أثق أن الاستحقاقات التاريخية والدستورية والوطنية والثورية وقيم الاستنارة والحضارة التى لن تجتث أبدا من الشخصية المصرية ستفرض تصحيحاتها.
المصدر الاهرام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.